فصل: تفسير الآيات (1- 5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.سورة المسد:

.تفسير الآيات (1- 5):

{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}
قوله عز وجل: {تبت يدا أبي لهب وتب}.
(ق) «عن ابن عباس قال: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، ونادى يا بني فهر يا بني عدي لبطون من قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ، قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً قال فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب تبّاً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت {تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب}» وفي رواية «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل، فنادى يا صباحاه فاجتمعت عليه قريش» الحديث وذكر نحوه ومعنى تبت خابت وخسرت، والتباب هو الخسار المفضي إلى الهلاك، والمراد من اليد صاحبها وجملة بدنه، وذلك على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله، وجميعه، وقيل إنه رمى النبي صلى الله عليه وسلم بحجر، فأدمى عقبه فلهذا ذكرت اليد، وإن كان المراد جملة البدن فهو كقولهم خسرت يده، وكسبت يده فأضيفت الأفعال إلى اليد، وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي صلى الله عليه وسلم وكني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه.
فإن قلت لم كناه وفي الكنية تشريف وتكرمة قلت فيه وجوه أحدها أنه كان مشتهراً بالكنية دون الاسم، فلو ذكره باسمه لم يعرف الثاني أنه كان اسمه عبد العزى، فعدل عنه إلى الكنية لما فيه من الشّرك الثالث. أنه لما كان من أهل النّار ومآله إلى النار، والنار ذات لهب وافقت حاله كنيته، وكان جديراً بأن يذكر بها. {وتب} قيل الأول أخرج مخرج الدعاء عليه، والثاني أخرج مخرج الخبر كما يقال أهلكه الله، وقد هلك وقيل تبت يدا أبي لهب، يعني ماله وملكه، كما يقال فلان قليل ذات اليد يعنون به المال، وتب يعني نفسه أي وقد أهلكت نفسه {ما أغنى عنه ماله وما كسب} قال ابن مسعود: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرباءه إلى الله تعالى قال أبو لهب: إن كان ما تقول يا ابن أخي حقاً، فأنا أفتدي نفسي بمالي وولدي، فأنزل الله تعالى: {ما أغنى عنه ماله}، أي شيء يغني عنه ماله، أي ما يدفع عنه عذاب الله، وما كسب يعني من المال، وكان صاحب مواشٍ، أي ما جمع من المال أو ما كسب من المال، أي الربح بعد رأس ماله، وقيل وما كسب يعني ولده لأن ولد الإنسان من كسبه، كما جاء في الحديث: «إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم» أخرجه التّرمذي ثم أوعده بالنّار فقال تعالى: {سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ} أي نارا تلتهب عليه {وَامْرَأَتُهُ} يعني أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان، وكانت في نهاية العداوة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قيل كانت تحمل الشّوك، والحسك والعضاه باللّيل، فتطرحه في طريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه لتؤذيهم بذلك وهي رواية عن ابن عباس فإن قلت إنها كانت من بيت العز والشرف فكيف يليق بها حمل الحطب؟ قلت يحتمل أنها كانت مع كثرة مالها، وشرفها في نهاية البخل والخسة، فكان يحملها بخلها على حمل الحطب بنفسها، ويحتمل أنها كانت تفعل ذلك لشدّة عداوتها لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولا ترى أنها تستعين في ذلك بأحد بل تفعله هي بنفسها، وقيل كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث وتلقي العداوة بين النّاس وتوقد نارها، كما توقد النار الحطب يقال فلان يحطب على فلان إذا كان يغري به، وقيل حمالة الخطايا والآثام التي حملتها في عداوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأنها كانت كالحطب في مصيرها إلى النار. فِي جِيدِها أي عنقها {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قال ابن عباس: سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا تدخل من فيها، وتخرج من دبرها، ويكون سائرها في عنقها. فتلت من حديد فتلا محكما وقيل هو حبل من ليف، وذلك الحبل هو الذي كانت تحتطب به، فبينما هي ذات يوم حاملة الحزمة أعيت، فقعدت على حجر تستريح أتاها ملك، فجذبها من خلفها، فأهلكها، وقيل هو حبل من شجر ينبت باليمن يقال له المسد، وقيل قلادة من ودع، وقيل كانت لها خرزات في عنقها، وقيل كانت لها قلادة فاخرة. قالت لأنفقنها في عداوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم واللّه تعالى أعلم.

.سورة الإخلاص:

.تفسير الآيات (1- 4):

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}
قوله عز وجل: {قل هو الله أحد} عن أبي بن كعب «أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك، فأنزل الله {قل هو الله أحد الله الصمد} والصّمد الذي لم يلد، ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله لا يموت ولا يورث، ولم يكن له كفواً أحد. قال لم يكن له شبيه، ولا عديل، وليس كمثله شيء» أخرجه التّرمذي وقال: وقد روي عن أبي العالية أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم، فقالوا انسب لنا ربك، فأتاه جبريل بهذه السّورة {قل هو الله أحد} وذكر نحوه، ولم يذكر فيه عن أبي بن كعب، وهذا أصح وقال ابن عباس أن عامر بن الطفيل، وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر: إلام تدعونا يا محمد قال إلى الله قال صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة، أم من حديد، أم من خشب، فنزلت هذه السّورة، وأهلك الله أربد بالصاعقة وعامر بالطاعون، وقد تقدم ذكرهما في سورة الرّعد، وقيل جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا صف لنا ربك لعلنا نؤمن بك، فإن الله تعالى أنزل نعته في التوراة، فأخبرنا من أي شيء هو، وهل يأكل ويشرب، وممن ورث الربوبية، ولمن يورثها، فأنزل الله هذه السّورة {قل هو الله أحد} يعني الذي سألتموني عنه هو الله الواحد في الألوهية، والرّبوبية الموصوف بصفات الكمال والعظمة المنفرد عن الشبه، والمثل والنظير، وقيل لا يوصف أحد بالأحدية غير الله تعالى فلا يقال رجل أحد، ودرهم أحد بل أحد صفة من صفات الله تعالى. استأثر بها فلا يشركه فيها أحد، والفرق بين الواحد، والأحد أن الواحد يدخل في الأحد، ولا ينعكس، وقيل إن الواحد يستعمل في الإثبات والأحد في النفي تقول في الإثبات رأيت رجلاً واحداً، وفي النفي ما رأيت أحداً، فتفيد العموم، وقيل الواحد هو المنفرد بالذات فلا يضاهيه أحد، والأحد هو المنفرد بالمعنى فلا يشاركه فيه أحد {الله الصمد} قال ابن عباس: الصمد الذي لا جوف له وبه قال جماعة من المفسرين، ووجه ذلك من حيث اللّغة أن الصّمد الشيء المصمد الصّلب الذي ليس فيه رطوبة، ولا رخاوة، ومنه يقال لسداد القارورة الصماد. فإن فسر الصمد بهذا كان من صفات الأجسام، ويتعالى الله جلّ وعزّ عن صفات الجسمية، وقيل وجه هذا القول إن الصمد الذي ليس بأجوف، معناه هو الذي لا يأكل، ولا يشرب، وهو الغني عن كل شيء، فعلى هذا الاعتبار هو صفة كمال، والقصد بقوله الله الصّمد التّنبيه على أنه تعالى بخلاف من أثبتوا له الإلهية، وإليه الإشارة بقوله تعالى:

.سورة الفلق:

.تفسير الآيات (1- 5):

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)}
قوله عز وجل: {قل أعوذ برب الفلق} قال ابن عباس وعائشة: «كان غلام من اليهود يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فدبت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ من مشاطة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدة من أسنان مشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم رجل من اليهود فنزلت السورتان فيه».
(ق) عن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أن يصنع الشيء ولم يصنعه» وفي رواية «أنه يخيل إليه فعل الشيء، وما فعله حتى إذا كان يوم، وهو عندي دعا الله، ودعاه ثم قال أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه قلت: وما ذاك يا رسول الله قد جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال مطبوب، قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق قال: فيما ذا قال في مشط ومشاطة، وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذروان، ومن الرواة من قال في بئر بني زريق فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين قلت يا رسول الله فأخرجه. قال أما أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخفت أن أثيرعلى الناس منه شراً» وفي رواية للبخاري «أنه كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن قال سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذلك» عن زيد بن أرقم قال: «سحر رجل من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكى ذلك أياماً فأتاه جبريل فقال إن رجلاً من اليهود سحرك، وعقد لك عقداً في بئر كذا فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فاستخرجها، فجاء بها فحلها فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي، ولا رآه في وجهه قط» أخرجه النسائي وروي «أنه كان تحت صخرة في البئر فرفعوا الصخرة وأخرجوا جف الطلعة، فإذا فيه مشاطة من رأسه صلى الله عليه وسلم وأسنان من مشطه»، وقيل كان في وتر عقد عليه إحدى عشرة عقدة وقيل كان مغروزاً بالإبر فأنزل الله هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية سورة الفلق خمس آيات، وسورة الناس ست آيات، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى انحلت العقد كلها، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال وروي «أنه لبث ستة أشهر، واشتد عليه ذلك ثلاث ليال فنزلت المعوذتان».
(م) عن أبي سعيد الخدري: «أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا محمد اشتكيت قال نعم قال بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك».
فصل وقبل الشروع في التفسير نذكر معنى الحديث، وما قيل فيه، وما قيل في السحر، وما قيل في الرقى:
قولها في الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه يصنع الشيء، ولم يصنعه.
قال الإمام المازري: مذهب أهل السّنة، وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثّابتة خلافاً لمن أنكر ذلك، ونفى حقيقته، وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها، وقد ذكره الله في كتابه، وذكر أنه مما يتعلم، وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر به، وأنه يفرق بين المرء، وزوجه وهذا كله لا يمكن أن يكون مما لا حقيقة له وهذا الحديث الصحيح مصرح بإثباته، ولا يستنكر في العقل أن الله تعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق أو تركيب أجسام أو المزج بين قوي لا يعرفها إلا الساحر، وأنه لا فاعل إلا الله تعالى، وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى على يد من يشاء من عباده.
فإن قلت المستعاذ منه هل هو بقضاء الله، وقدره فذلك قدح في القدرة.
قلت كل ما وقع في الوجود هو بقضاء الله وقدره، والاستشفاء بالتّعوذ، والرّقى من قضاء الله، وقدره يدل على صحة ذلك. ما روى التّرمذي عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقي بها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئاً، قال: هي من قدر الله تعالي» قال التّرمذي: هذا حديث حسن وعن عمر نفر من قدر الله إلى قدر الله تعالى.
فصل:
وقد أنكر بعض المبتدعة حديث عائشة المتفق عليه، وزعم أنه يحط منصب النّبوة ويشكك فيها وأن تجويزه يمنع الثّقة بالشّرع.
ورد على هذا المبتدع بأن الذي ادعاه باطل لأن الدّلائل القطعية، والنقلية قد قامت على صدقه صلى الله عليه وسلم، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل.
وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا، وهو ما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له.
وقد قيل إنه كان يخيل إليه أنه وطئ زوجاته، وليس واطئ، وهذا مثل ما يتخيله الإنسان في المنام.
فلا يبعد أن يتخيله في اليقظة، ولا حقيقة له، وقيل إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله، ولكن لا يعتقد ما تخيله فتكون اعتقاداته على السّداد قال القاضي: وقد جاءت في بعض روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما سلط على بدنه وظواهر جوارحه لا على قلبه وعقله واعتقاده وليس في ذلك ما يوجب لبساً على الرسالة ولا طعناً لأهل الزّيغ والضّلالة، وقوله ما وجع الرجل قال مطبوب أي مسحور قوله، وجف طلعة ذكر يروى بالباء ويروى بالفاء، وهو وعاء طلع النخل.
وأما الرّقى والتّعاويذ فقد اتفق الاجماع على جواز ذلك إذا كان بآيات من القرآن، أو إذ كانت وردت في الحديث، ويدل على صحته الأحاديث الواردة في ذلك منها حديث أبي سعيد المتقدم أن جبريل رقي النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما روي عن عبيد بن رفاعة الزرقي «أن أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله إن ولد جعفر تسرع إليهم العين. أفأسترقي لهم قال نعم فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» أخرجه التّرمذي وقال: حديث صحيح وعن أبي سعيد الخدري «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ ويقول أعوذ بالله من الجان، وعين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما، وترك ما سواهما» أخرجه التّرمذي وقال: حديث حسن غريب فهذه الأحاديث تدل على جواز الرّقية، وإنما المنهي عنه منها ما كان فيه كفر أو شرك أو ما لا يعرف معناه مما ليس بعربي لجواز أن يكون فيه كفر والله أعلم.
وأما التفسير:
فقوله عز وجل: {قل أعوذ برب الفلق}، أراد بالفلق الصبح، وهو قول الأكثرين، ورواية عن ابن عباس لأن الليل ينفلق عن الصبح وسبب تخصيصه في التعوذ أن القادر على إزالة هذه الظلمة عن العالم قادر على أن يدفع عن المستعيذ ما يخافه، ويخشاه، وقيل إن طلوع الصبح كالمثال لمجيء الفرج، كما أن الإنسان ينتظر طلوع الصّباح، فكذلك الخائف يترقب مجيء النجاح، وقيل إن تخصيص الصبح بالذكر في هذا الموضع لأنه وقت دعاء المضطرين، وإجابة الملهوفين، فكأنه يقول قل أعوذ برب الوقت، الذي يفرج فيه هم المهمومين والمغمومين، وروي عن ابن عباس أن الفلق سجن في جهنم، وقيل هو واد في جهنم إذ فتح استعاذ أهل النار من حره، ووجهه أن المستعيذ قال: أعوذ برب هذا العذاب، القادر عليه من شر عذابه، وغيره وروي عن ابن عباس أيضاً أن الفلق الخلق، ووجه هذا التأويل، أن الله تعالى فلق ظلمات بحر العدم بإيجاد الأنوار، وخلق منه الخلق، فكأنه قال قل أعوذ برب جميع الممكنات، ومكون جميع المحدثات {من شر ما خلق} قيل يريد به إبليس خاصة لأنه لم يخلق الله خلقاً هو شر منه، ولأن السحر لا يتم إلا به وبأعوانه وجنوده، وقيل من شر كل ذي شر، وقيل من شر ما خلق من الجن، والإنس.